لم أكتب؟
الآن تحديدًا، وهذه الكلمات بالأخص؟
الكتابة أحيانا تقفز كحل ووسيلة تضبط الأمور ويهدأ بها الداخل!
كالدواء للداء، وكالحل السريع لمشكلة عصية، وكقبلة مفاجئة، وكسجدة وحيدة في الليل.
تعرفون يا أصدقاء؛ أستغرب جدا من يكتبون عن الغير، وأحسدهم أحيانا بل كثيرا!
أقول: كيف لأحد أن يتجاوز داخله؟ كيف يمكن لإنسان أن يسبق تفاعلاته وغضبه وقلقه وانطباعاته خاصة إن كان كثير الملاحظة؟
أود لو أني أتجاوز نفسي ولو لمرة واحدة! كيف يمكنني أن أسبق تكور قبضتي قبل أن أضرب بها جدارا فأصيبه أو أصاب؟
قيل لي مرة إثر انفعالة: يدك! الجدار سيؤلمك.
لا ليس الجدار. إنه أثر الهم والذكرى والأفكار التي نؤمن بها والحب الذي نحمله للجميع.
استغربَ أحدهم مرة حزني الكثيف وصمتي الغريب ولما أخبرته أن ذلك لرؤية امرأتين تمران كل ليلة على صناديق القمامة فتأخذان منها ما ينفعهما وتستمر مسيرة القمامة.
قال: هذا ما أحزنك؟ إنه يحدث كثيرا فهون عليك!!
ماذا؟!
أهذا هو التبرير المناسب؟ ألا يجب أن نستحي جميعًا لأن حياة أحدنا تبدأ من قمامتنا؟
تقفز كل الحكايا والصور والأفكار من الذاكرة والمخيلة أمامي عند كل أزمة. تستمر في السير والعَدْو أمامي. فتكون المشكلة الواحدة هي مجموع ماسبق. ليس ثمة مشكلة واحدة أبدا. يحضر كل ماسبق من خيبات وخذلان ووقوع وخسارة وألم عند الحادثة فتصبح واحدة عنيفة قوية شديدة لو لم تحل فسوف تحضر في المرة القادمة أعنف!
فلا يقول الواحد: لقد تعرضت لخيبة، بل يقول: خيبة أخرى يا صديقي. أصبح رصيدي الآن كذا خيبة وخيبة. سأذهب إلى الزاوية الوحيدة التي تستوعبني عند كل أزمة. أصبحت تعرفني أكثر من أي مكان وأي أحد. سآوي إلى الركن مرة أخرى وأتلو عليه كل التفاصيل وأصرخ فيه مرة أخرى. سأسترجع هناك كل الحوادث وسأقوم مرة أخرى.
قلتُ سابقًا: (نحن نسير وكل الصور والحكايا بداخلنا تنتظر أن يوقظها مشهد ما أو موقف أو صورة). كان يمكنني أن أضع الجملة ملخصة بديلا عن التفصيل الذي ربما يكون مملا!
لكن الأمر حينئذ لا يعدو أن يكون شبيها للسابق وحسب، فتبطل فاعلية الأزمة.
مرة ثانية: لم أكتب؟ والآن بالأخص؟
وأجيب ثانية: لضبط الداخل ومحاولة الترتيب.
فقط.
#رغي
تعليقات
إرسال تعليق