هنا كتاب آخر ينتهي، وقصة أخرى حُكيت.
عادة ما أقول لأول وهلة: هذا كتاب جميل. والجمال المقصود هنا ليس ذلك الإحساس بالحلاوة أو الأثر المصاحب لرؤية جميل الطلة، بل المقصود أثره البالغ وأهميته.
بعض الكتب مرة. كحكاية الطريق الطويل لإشمائيل بيه مثلا!
وبعضها مفرط في الحيرة والألم والتفكير. تتعارض فيها الأقوال والأفكار، وتحارب بعضها بعضا. مثل هذا الكتاب وأيضًا ككتابه السابق الذي قرأته منذ عام تقريبًا أو أكثر، أقصد رواية الأخوة كارامازوف.
أظن أني سعيد بإطلاعي على الرواية أخيرًا بعدما كانت مؤجلة لفترة طويلة، وكنت كلما وقعت عيني عليها أقول: متى سأقرأها؟ ترى ما محتواها؟ من بطلها؟ ما وضعه الإجتماعي والمادي؟ إلخ تلك الأسئلة حول المجهول المرغوب فيه. وهذا يعني أن تلك الأسئلة كانت تقال أكثر من مرة خلال اليوم الواحد لأن الرواية كانت في مقدمة الكتب التي أريد قراءتها. حتى بعد عملية الفرز والترتيب الأخيرة، تصدرتها دون باقي أعمال الكاتب الأخرى لدي.
في الليالي التي سأحاسب نفسي فيها على القراءة والإطلاع، وعندما أطرح سؤال: ما الكتب الهامة التي قرأتها؟
سأضيف إلى وحي القلم، والتذكرة، ودون كيخوت، ورسالة في الطريق إلى ثقافتنا، وكارامازوف، واسم الوردة، وغيرهم: الجريمة والعقاب.
وفي الليالي التي أسأم فيها من أي جديد وأريد صحبة قديمة، فلن أكتفي بالإطلاع على صندوق بريدي وحسب وببعض مقتطفات من الكتب، بل سأضيف إليها بعض الفصول هنا.
في كارامازوف كنت أقرأ وأنا أسأل: ترى أي واحد أنا من هؤلاء الأخوة؟
كنت أبحث عن نفسي بينما أكتشف العالم الذي يعرض أمامي.
هنا، كنت أعيش مع البطل بكل تفاصيله.. بحجرته القذرة، واضطرابه، وأفكاره الغريبة، واختلافه عن محيطه، أو لعله اختلاف مجيطه عنه!
هنا أيضًا، وقد تكون هذه من أوائل الروايات التي أشعر معها بذلك؛ كنت أقيم مع كل شخصية بشكل كامل، وليس البطل وحسب. كل تفصيل كنت أتخيله، حتى تلك الحجرة في آخر الممر أسفل السلم في فندق خشبي متهالك في ليلة ممطرة!
تتناول الرواية مفهوم الجريمة والعقاب نعم. لكن من طريق أخرى كأنها حال البطل من فعلته، وما تلاه من حال وسلوك كان عقابه الأشد.
لا أحب الحديث عن محتوى الرواية حتى لا تحرق لأحد، لكن مما استغربته أن البطل في النهاية يحلم بما يشبه أن تكون حربا عالمية، بل والأغرب أنه حلم بشيء من جنوب آسيا ويذهب ليقضي على عدد كبير من الناس حتى أوروبا! ربطت سريعا بين الحلم وبين الحروب العالمية في القرن الماضي، وبأحداث الفيروس والعدوى هذه الأيام، والرواية مكتوب في القرن قبل الماضي تحديدا في عام 1866! قراءة عجيبة وتنبؤ غريب، أو لعلها مصادفة!
لن أطيل الحديث عن المحتوى كما قلت، لكن أرشحها لكل من يريد أن يقرأ شيئًا مهما.
صديقي روديون..
الآن وبعد انتهاء رحلة التعارف الأولى، فأنا ذاهب لرؤية أي فيلم يتناول قصتك، أو مقالة، وبالطبع بالطبع سأظل أشاهد العديد والعديد من الرسومات التي تصور كل هذا العمل وكل هذه الشخصيات المعقدة بتفاصيلها.
وإلى كتاب آخر.
تعليقات
إرسال تعليق