من أين أبدأ في الحديث عن هذه الحكايا؟
للتو أنهيتها! ولدي عديد مشاعر الآن. منها مثلا أني فرغت من واحدة من أجمل
الحكايات على الإطلاق!
محفوظ؟ حكواتي لاشك!
رهيب والله. كنتُ أنساب مع الحكايا واحدة وراء واحدة تشملها الحكاية الأكبر. مصر
كنقطة في العالم بين حربيه الكونيتين. أو كمصر منفردة.. أو كحي قديم لم ينقطع عن
تاريخه الأول. أو كأفراده واحدا واحدا وواحدة واحدة!
لفت نظري أن قراء العمل قد خرج كل بما رآه منه. وللحق فيمكن لأي صاحب توجه أو
طريقة في تقييم الأمور أو تلقي المكتوب أن يجد مايريد، وستتنوع حصيلة ما يجده
الناس من النص كأننا أمام منجم أثري لاتنتهي كنوزه!
سيجد صاحب الحكمة ضالته، وسيجد الباحث عن الأقوال المأثورة ما يريد، وسيجد صاحب
المزاج والانبساط حوارات ومشاهد (تكيفه) وسيجد الباحث أصدقاء له، وسيجد محبي القصص
عشرات الحكايات والشخصيات.
رباه! لو أن لي القدرة على وضع كل ما بداخلي تجاه الكتب كما هو داخلي! لعلم العابر
من هنا ذلك الأثر العظيم.
مايقرب من ألف وخمسمائة صفحة. ثلاث كتب متتالية، تباطأت في بدايتها قليلا إلا أني
سرعان ما أهيتها.
كانت الكتب أمامي منذ فترة طويلة، طبعات حديث
وصيغ الكترونية مختلفة منها. لكني كنت أرغب بشدة أن أقرأها من طبعات مكتبة مصر.
ثمة صورة ذهنية لدي أن هذا أعمال نجيب محفوظ لا يتتم متعتها إلا من طبعات مكتبة
مصر. لذا انتظرت على أمل تم أخيرا بهذه الهدية النفيسة من الصديق المدهش على
الدوام محمد عبد اللطيف.
في بين القصرين كان الكتاب ضعيفا أوراقه مفككة فاضطررت لتأجيل القراءة قليلا حتى
أتممت تجليده.
ما الذي أعجبني في العمل؟
ليس شيئًا واحدا أو محددًا! هذا ظلم بين! كلها
أعجبتني.
شيئ ضايقني فيها أو منها؟ ربما! أنا رجل أزهري، فكنت أتضايق كثيرا من كل تلك الصور
العديدة والمتكررة والحديث عن مجالس السهر والعربدة والفسق والحانات وبيوت الدعارة
(وهذه ألفاظ من الرواية).. إلخ. لكني كنت لا أقف على الأمر ولا أنظر إليه كأنه
دعوة إليها. نحن امام أدب ثم هي أمور كانت تحدث ولازالت أيضًا. لذا فإن الضيق هنا
لم يكن على الرواية ولا بسببها إنما حمرة وجه تربى في الأزهر، فهو خجل ديني خالص.
هل أنا أحمد عبد الجواد آخر؟ لقد كانت تعجبني أحاديث أصحاب المزاج أولاء! السيد
أحمد ومحمد عفت وابراهيم الفار وعلي عبد الرحيم خاصة، وكذا أحاديث الأنس والسمر
عامة في العمل!
كأن محفوظ كان صاحب مزاج هو الآخر ليقدر على أن يأتي بهذا التفصيل وهذه السلاسة
فتنبعث في القارئ روح انبساط مع من يلهون!
إن تقديم الشخصيات في بداية العمل في أولى الروايات (بين القصرين) كان رائعًا
ومحكما وجعلني أتتبع كل شخصية مكونا عنها صورة كاملة ومتوقعة للحياة قبل العمل!
أيضًا الحوارات الثنائية، خاصة التي في مجالس العائلة بشكل عام ومجلس القهوة بشكل
خاص، وكذلك بين الأصدقاء وأبطال العمل بشكل متتابع.
مجلس القهوة المذهل كان هو عنوان هذا العمل! يمكننا أن نستخدمه كتأريخ للعائلة
وأحداثها وأفرادها.
ويبقى أكثر ما أعجبني تلك الحوارات الداخلية لكل فرد.. هذه الحوارات عجيبة.. كنت
أقرأ وأقول.. أنا أفعل هذا فعلا. أنا أقوم بهذه الأمور في المواقف المشابهة!
من أكثر الشخصيات التي أحببتها؟
السيد أحمد وأمينة! لقد عشت معهما
بالكامل، وانتابني حزن ودمع عندما مات السيد أحمد وتدهورت حالة أمينة.
فهمي؟ آه من فهمي وثورة 19 والفصول التي كانت تحكي عنها! هذه الصفحات بكيته معها
بالكلية. لفهمي أيامه وزمنه، ونحن في زمن شهدنا فيه على أحداث شبيهة.
شخصية ياسين إحدى الشخصيات المتعوب عليها،
وكمال.. من بداية العمل وأنا أظن أن كمال هو المستمر معنا والذي سأرى العمل كله من
خلاله. نعم. كان هو بطلي الذي اخترت أنا أتلبسه فأسير معه وأرى الآخرين بعينه –ولكن
بعقلي- ثم أجدن بينما أسمع حديثه المستمر لأعوام وأعوام مع نفسه أتعاطف معه تارة،
وانقم عليه أخرى، وأحبه وأشفق عليه، ثم أستسلم له تماما.
ذلك الفتى المتأمل الحالم المفكر الحائر... المسكين..!
كل الشخصيات لها حال معي.. العائلة وغير العائلة.. واظن أن هذا العمل كان ينقصه
أحد من الأزهر، فالأزهر بهذه الفترة من تاريخ مصر كان له حضور شعبي جارف. أظن أن
شخصية ازهرية كانت تنقص هذا النسيج الرائع.
قرأت الرواية ضمن مشروع قراءة جماعي مع عدد من
الأصدقاء. محمد عادل – كريم بركات – أحمد جميل – وآخرهم مصطفى درويش. لكني أول أمن
أنهاها :D
من فرغ من الآخر؟ انا من أنهيت الرواية؟ أم
أنها من فرغت مني؟
أنا لم أنته منها بعد، ولا يبدو أني سأفعل!
بدأتها في 18 جمادى الأولى 1443
وأنهيتها في 21 جمادى الأخرى 1443 (24 يناير 2022)
تعليقات
إرسال تعليق