التخطي إلى المحتوى الرئيسي

 مرحبا، كلما أطالع بالسيرة الشريفة وعند الوصول لحدث الهجرة تراودني نفس الأسئلة، إلا أني وصلت لإجابة مرضية فيها.


ما وطن المرء الحقيقي؟ ما معنى أن ينتمي الإنسان لمكان محدد، وبقعة معينة من الأرض؟

أتفهم أن يشعر الإنسان بالحنين والحب وشيء من الانتماء للأماكن التي صنعته وشكلته وله فيها غدوة وروحة وذكرى وحادث وحديث. كل هذا متفهم. لكن غير المفهوم عندي هو أن يقيد الإنسان نفسه بموطن محدد ووفق فكرة غريبة وحدود مرسومة وربما وفق تقسيمات إدارية هدفها الوحيد تنظيم وترتيب أحوال الناس، لا إشعارهم بأني منفصل تماما عن هذه القرية المجاورة لأنها تتبع محافظة أخرى..!

في حدث الهجرة هذا وذاك من الواضحات. فسيدنا بلال بن رباح وهو الحبشي الذي عاش بمكة ولم يصلنا فكره أنه اراد يوما الرجوع الحبشة خاصة بعدما أصبح حرا وكانت هناك هجرة إليها. ثم هو نفسه لما اشتد به مرض بعد هجرته، يقول بينما بالمدينة:

ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةٍ ... بفخٍّ وحولي أذخُرْ وجَليل

وهل أرِدنْ يوماً مياهَ مَجَنَّةٍ ... وهل يَبْدوَنْ لي شامةٌ وطَفِيلُ


فهو يشتاق لأماكن مكة وأسواقها رغم أنها ليست "موطنه" الأصلي بلغتنا هذه الأيام، ومع ما لاقي فيها! ثم فيما بعد صارت المدينة من أحب البلاد له.


والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه كانت مكة أحب البلاد إليه، إلا أن مكانا آخر كان ذخرا لدعوته، وموئلا لأنصاره، فاختاره دون ماسواه.


إحدى الأمور برأيي التي يجب على الفرد في عصرنا هذا لبلوغ تحرره أن يفعلها، هي الكفران بكل التقييدات الخاصة بالقومية لقطعة من الأرض دون أخرى، أو التغني بنشيد لفئة من الناس في بلد معين وتقديسه ثم ما يلبث تحقير ما سواه. هذا الكفران الأولي ما إن يعتمل في نفس المرء، حتى يجد نفسه أكثر قبولا للبحث عن الحق حيث كان، ويرضى بمكانه الجديد بل ربما يختاره دون غيره، فالموطن الحقيقي حيث يكون الحق، وحيث يأمن الفرد على نفسه وماله وأهله وفكره.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...