(1)
مساء الخير ..
لقد درست الممنوع من الصرف، والفعل والفاعل والمفعول به وأعربت أكثر من ألف جملة، وكنت أكثر ما أحب المضاف إليه. درست حروف الزيادة، وصيغ المبالغة،وظرف الزمان وظرف المكان، وحصدت درجات عالية في اللغة، وفي العام المهم، تورايت. كانت دراسة اللغة الإنجليزية لي أيضًا نوع من المتعة ليس إلا. لم يقف أمامي أي زمن أو تصريف لفعل. فقدت قواعد اللغتين إختيارًا. تمامًا كما فقدت مقعدي في الصف الثاني يمين الفصل بجوار النافذة المطلة على الفناء / الشارع / حديقة البرتقال.
انتظمت في النادي الصيفي كأزهري وحيد مع طلاب وطالبات التربية والتعليم. لم أكن ألعب معهم في الدورات الرياضية، إلا مرة وحيدة لم أجبن فيها، وهُزم فريقنا من الهواة أمام هواة آخرين. وجدت في المكتبةِ مايسليني من كتب وأمينة مكتبة هادئة الطباع لاتقول لا أبدًا، وأعين فتيات عديدة تراقب الفتى الوحيد غير المعروف لهم والذي من المؤكد سيغازل إحداهن أو ينظر حالما تبتعد أمينة المكتبة. كنت حينها أخجل من مدرستي أصلًا، وكان النظر إلى فتاة أمر جلل تخيلتُ دومًا أنني سأفقد نفسي حين فعله.
لم أغازل واحدة، لم أتعقب رقم هاتف أو أسير وراء أخرى. نعم فعلت أمورًا أخرى؛ هربت من المعهد، وقفزت إلى حديقة البرتقال، وسرقت منها مرة فتم إخبار أمي وخالي، ولم أعد. كان الرجل جار جدي. وحينما سرقت العين الوحيدة التي لم تنظر لي في المكتبة، أصابتني خفقة قلب لازالت تتكرر كلما أمسكت كتابًا، أو سمعت قصة حب.
(2)
مؤسف جدًا لي كل مافر من بين يدي.
إبتسامتها. ودرجة السلم ببيتنا التي صعدت عليها ثلاث مرات ثم ابتلعها الشارع ليرتفع غير مبال لكل الخطو والسعي الذي حدث. وكرياتي الزجاجية التي كنت أقذف بها في النافذة وأجري لأول عامين، ثم أغلقت النافذة للأبد، وثبتت واحدة بيضاء بخط أحمر مموج في فتحة الشباك، كانت الأحب إلي.
كذلك فقدتُ إصرار الفتى على التميز الدراسي، لأنه كان في مواقف بسيطة غير مؤثرة في النتيجة النهائية، وذلك لإرضاء حاجة الإنسان للتميز وحسب. دومًا ماكان يرضيني القليل.
وأيضًا دفتر الدراسة الذي لازمني في الصف العاشر بصفة يومية وبه قصيدة هشة لم أكمل نظمها، فحولتها لقطعة نثرية في واحد وعشرين صفحة. أذكر شطر مطلع القصيدة جيدًا:
دوى صدى الآهات في قلبي ..
في آخر يوم دراسي والذي سيعقبه سفر طويل، وضعت الدفتر على مقعدها، ولم أتبين هل أخذته أم لا !
إلا أنني وبعد مدة طويلة كنت أسمع من البيت صوت المسجل:
على الله تعود على الله .. ياضايع في ديار الله.
تعليقات
إرسال تعليق