التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وجدتُ ظلي




 (1)

كان ينبغي ان أذهب إلى العمل اليوم ماشيًا. لم أستطع الإلمام بكل تفاصيل الصباح. كانت امرأة تبيع الورد بجوار عربة الفول، ورجل عجوز يشبه بائع المناديل الذي صورته منذ عشر سنوات في إشارة مرور مصابًا ببعض فرح لقدرتي على إلتقاط الصورة. على قنصه. بعض الفرح تبعه آخر لما كتبت تعليقًا: " عبث الزمان به فأحنى ظهره". منعطفات الذاكرة كنجوم السماء، تتنوع في التوهج حسب قوة موتها.
أعد الآن قهوتي، للقدرة على الإستمرار يقظًا. لم أنم أمس. جلستُ اتذكر من أنا، وكيف أتيت إلى هذا المكان؟ تحدثت مع طبيب صديق، فأخبرني بضرورة التقليل من القهوة وتنويع الطعام.
قهوتي الآن تراودني بالرائحة التي تملؤني. وأنا أشعر بفراغ كامل داخلي قال عنه صديقي: هبوط. كنت قد اقتنعت برأيه حتى عرفت أني منذ ست سنوات بمثل هذا اليوم قد ولدت ابنتي الأولى، ولازالت مشاعري بين القلق والخوف تتأرجح ملامسةً الفرح أحيانًا.



(2)


ماهذا؟ نعم، إنه هو. أخيرًا وجدتُ ظلي. كنتُ قد فقدته ذات ليلة بالعاصمة بينما مرت من جواري حسناء لم أراها. وعندما نبهني صديقي كانت قد مضت ولم أجد الظل. وجدتُه في ركن ممسكًا بصورة أصغر أعمامي الذي درس الطب ومات بعد التخرج قبل أن نعلق له لافتة بإسمه على شرفة الطابق الأول. الصورة مثل تلك التي له في غرفة الضيوف بنفس الطابق. الطابق الذي كان سيسكنه، فأصبحت أسرتنا فيه.
كان عمي وبعد موته هو القِبلة التي أراد إخوته للأبناء جميعًا أن يستقبلوها في دراستهم. بعضنا لم يقم الفرض، وآخر فقد من شروط الصحة الكثير، وثالث ترك بعض السنن، فما ولينا وجهتنا تجاهه. كان لكلٍ قبلته.
قام الظل ليعود مسكنه، فوجد غيره قد نبت، وبجيبه رسائل مجهولة المصدر، وقصيدة (وصف حوراء)، بينما في الجوار حسناء أخرى تمر لم ألحظها أيضًا، وصوت أغنية يقول: بس أنا نسيت الإبتسام، زي مانسيت الآلآم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...