التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رغي .. 18 أغسطس 2019

 مدفوعًا بالرغبةِ في الحلمِ أو القرب كان يفقد توازنه وصمته. كان يود أن يرى صورته في بريق أعينها حين تبتسم أو تلك اللمسة على يده بعدما أنهت عزفًا منفردًا لمدة خمس دقائق على بيانو قديم في ركن قاعة بها زخارف ونقوش على كثرتها لاتساوي شيئًا بما شكله الفرح يومًا من طرق داخله حينما قالت له بشكل مفاجئ: أنت سبب جيد للإستيقاظ كل صباح.

لم يكن يعلم ما هي الخطوة التالية أبدًا. فلم يقترب ولم يبتعد. فقط يفقد صمته، ثم يكتشف أنه كان يهذي بكلام غير مسموع.

****

لا أحد يعرف الحقيقة كاملة وراء تردده. كانوا كما جوقة يرددون نفس الكلام وبالطبع بعضهم لا يفهم المعنى. كان يشعر بالموت يقترب رويدًا رويدًا. وعندما قيل له ذات ليلة: لما تكثر من ذكره؟
حاول جاهدًا أن يخبرهم أنه كما أن الحياة تنطق من كل شيء حوله إلا أن الرحيل موت والغياب موت، وأنه ربما ظننا أن أحدهم سيغيب قليلًا ثم يرجع، فيموت.
في المرة الأخيرة التي أخبرهم بهذا الكلام عاد بعدها سريعًا دون أن يردد نفس الكلام.
شعر أنه قد نسي شيئًا ما، وعندما تذكره خشي من رد فعل محتملة تصيبه مرة أخرى بخيبة، فقرر الرحيل للأبد بلا مزيد من الخيبات.

****

منذ ساعة وبعض دقائق وقليل من جنون كنتُ طيارًا، فأعلنت للركاب الآتي:
مرحبًا بالجميع، لعل بعضكم يحلم بتلك اللحظة التي سنرتفع فيها ثم يلامس السحاب أو يجاري الطير. أحلام طيبة يا سادة. لكني أحذركم من فرط الأحلام، فأنا ذات مرة حلمتُ بالحرية وبأن أصير فنانًا وكاتبًا وأن تكن لي غرفة مكتبية خاصة أحتفظ فيها بالأقلام التي تُهدى إلي من دور النشر ومن الجميلات في حفلات التوقيع، ولا ضير أيضًا من خطابات من نوعية: تسلم باليد للمرسل إليه. وفكرت أنني أيضًا ربما أضع فيها وصيتي، تحديدًا في صندوق قديم يعود لعائلة ملكية تهديه إلي امرأة غريبة جميلة، وتكون قد تركت به ورقة لن أخبركم عما فيها، لأن الأمر ليس من شأنكم، كما أنه مجرد حلم. كل ما لكم عندي هو الآتي: أنا لم أحلم يومًا بأن أصير طيارًا، لذا: هل كتب أحدكم وصيته؟

****

كان قد قال لهم بوضوح: لا تراهنوا عليّ. أنا فقط أسعى لتحقيق مقدار من السلامة لنفسي، وربما أكتفي به دون أي شيء.
كانوا بشكل ما يعتقدون انهم يعرفونه أكثر مما يعرف نفسه.
قال بوضح أكثر: اسمعوا؛ أعرف أنكم تفسرون الأمر بغرابة فلا أحد يخبر عن نفسه صفةً تعارف الناس على عدم صحتها إلا وكان غريبًا. طيب، أنا موافق أن تنعتوني بالغريب والعجيب وأي شيء، لكن أنا هذا من أخبركم عنه.
أنا لا أهتم، يقولون: بل أنت تخفي ما تبدي، والله أعلم.
الله أعلم، فمن أنتم؟ يقولون: الله يؤتي الحكمة من يشاء من عباده.
يرد: طيب انتم الحكماء من أعطاكم الله من علمه، فماذا ترديون من مسكين ينظر إلى الأيام من فوهة الملل، ويتطلع على العالم من شرفة الإنهيار؟
صمموا على ما يعتقدون، وقبيل موته تضايق من طيف سيرته بعد الرحيل، إلا أنه ابتسم بغرابة وكان بيده قلم، فسقط ..

تعليقات

  1. جميل وغريب في آن معا..

    ردحذف
    الردود
    1. كل شيء حولنا غريب، أليس كذلك؟
      شكرا لوصفه بالجمال.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...