التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مع الكتب مرة أخرى

 مرحبا، أو مساء الخير..

تذكرتُ صديقًا قال مرة أن افتتاح الكلام بمرحبا قول غير صحيح.
لذا، فمساء الخير..
أنا مصطفى. تراودني الآن حالة من الرغبة للكلام. الرغي القديم ذلك الذي لم أجد صفة لكلامي أستتر خلفها سواه. مجرد كلام لافائدة منه. حاجة عنيفة لأن أقول كل ذلك دفعة واحدة دون توقف.
تعرفون أني رتبتُ كتبي الفترة الماضية. كنت أعيد تنظيم قائمة الكتب التي سأقرأها قريبًا. لكني اليوم لمحت فاء الاخوة كارامازوف بأسفل لوح خشبي أضع تحته بعض الكتب التي قرأت، وبقيتها موزعة في أماكن أخرى.
شعرت بحنين بالغ لكل تلك العوالم.
الاخوة: اليوشا، ديمتيري، إيفان. تذكرت حالة الحزن المشفق الدائم التي لازمتني وأنا أقرأها. سحبت الأجزاء الأربعة، وتذكرت كل تلك الصور التي التقطتها للعمل، واكواب القهوة التي تناولتها معه. رفعتهم بالأعلى..
كان بجوارهم: وليمة للغربان، ورقصة مع التنانين من أجزاء عالم الجليد والنار. رفعتهما أيضًا محاولا تذكر اسم الجزء الثالث والذي أذكر أني قرأته ورقيًا.
لساعة حاولتُ تذكر اسمه لكن لم أستطع.
أعرف أن الأول: لعبة العروش، والثاني: صراع الملوك. هل هو بهذا الإسم؟ أظن اسمه صدام الملوك.
الثالث ذلك كان بإسمه كلمة السيوف. والمسلي في الأمر أني كل مرة أقول: ظلال السيوف. والجملة من حديث نبوي شريف.
أكتب الآن ولا أريد ان أذهب لجوجل أو أصدقائه لأعرف اسم الكتاب. سيقابلني الليلة على الأرجح؛ إذ سأبدأ في ترتيب الكتب التي قرأتها وأضعها أمام عيني.
أريدُ الأنس.
ليس ذلك لأرى مثلا لأني قرأتُ هذي الكتب التي أصابني العجب يوما منذ سنوات بأني قرأتها.
كان ذلك عندما انتهيتُ من دون كيخوت. بعدها بقليل أدركت كم من حماقة يرتكبها المرء.
تذكرت تلك الحماقة، وتذكرتُ رسالة مجهولة المصدر (أو أني أدعي ذلك وأعرف راسلها). كانت تقول: المعرفة شقاء وعبء يا صديقي.
بالمناسبة، الرسائل مجهولة المصدر لها وقع الأنس الذي يحدثه عنوان كتاب مقروء.
مرتْ علي سريعًا بعض العناوين التي قرأتها. أنبئوني بالرؤيا لكيلطو، فزاد تعلقي بكتب الأدب العربي وتراثه، وخاصة عوالم ألف ليلة وليلة.
رواية: البومة لصادق هدايت. الرواية التي قراتها وأنا أنتظر منها شيئًا لا أعرفه!
لم فعلتُ ذلك؟ فقدتُ متعة الحكاية. لما راجعت بعض المراجعات للكتاب كان لصديقي الغائب مراجعة قصيرة الكلمات قوية المعنى. حزنتُ على الحكاية التي فقدتُها بحماقتي وقررتُ من حينها أن أستمتع بأي حكاية دون توقع أي شيء منها.
مجرد أن يحكي لك أحد فهذا من تمام نعم الله.
"الغائب" ليس صديقًا وحسب. الغائب أول القائمين في القلب وقبلتهم.
الغائب أرشدني إلى أول ما قرأت "وحي القلم" وحدثني عن قصة اليمامتين فامتلأت شغفا وعندما وجدت الكتاب الكبير أنهيته في ليال قليلة. الغائب أهداني كتاب شعر كان السبب أني وجدتٌ نفسي وعرفتُ أني أحب الأدب.
الغائب ظل يلح علي أن أسرع بالقدوم للمعرض وأمسكني من يدي ومر بي على كل دور النشر تاركا عناوين آسرة وطبعات فاخرة ودخل بي دار الفارابي وأعطاني كتاب: "بلدي" وقال: مش هاتندم يا جميل.
الغائب أهداني كتاب الغائب وعلى صفحاته تعليقاته بقلمه الرصاص.
الكتب الثلاثة الأخيرة هي أعذب ما قرأت وأجمل ما طالعت، وأكثرها متعة وسحرا، وكلما اقتربت منها ومررت على سطر أو بعضه فكأني أسمع النبي: إن من البيان لسحرًا!
الغائبُ عندما أخبرتكم أني ماكث في مقطع تلاوة، وبين وترين في عود قديم وغير ذلك وختمت مقامي بـ: وفي قلبها. قال أحسنت بختام الكلام.
الغائب ماكث بقلبي.
وأنا أطلت الكلام، فيكفي الآن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...