6 أكتوبر 2016
أصدقائي ..
أتعرفون ما المميز في منتصف الليل؟
فضلًا عن قرب تنزل الله في السماء الدنيا، ومناجاة عباده الأقربين، فأنا أجري آخر إتصال قبل ساعة، وأخبر زوجتي بأني سأخلد للنوم بعد ساعة أخرى. عظيم لدي الآن ساعتين. في الذهن كلام المربيين عن ورد المحاسبة. عظيم أن يحاسب المرء نفسه. أنا لا أفعل ذلك. لا أقوم بالأمور العظيمة عادة. أنا أزيد التفكير، وأقلب كل ماورد برأسي وصدر مني اليوم من باب أن لدي أعظم من هذا الرد، وتحليل أوقع لهذا الرأي، ونقد أفضل لكتاب اليوم، وأيضًا قلب ذاب وحب. وذهن مال إلى الذكرى، وسر آخر يخرج إلى العلن. ماذا جرى لي؟ أرهق نفسي في نصح زميلي بالعمل بان يحافظ على أسرار، فالأسرار مقدسة، ويجب أن تحاط بهالة التفرد والخصوصية ليكون له رونقها القدسي المعهود. فجأة هكذا أفشي كل يوم سرًا. أخبر الناس عن بعضي؟ حتى يوشك كلي أن يُكشف !
2
وطالما جئنا على ذكر الأسرار، فدعوني أخبركم بشيء عني: أنا أحب كلمات الثناء. نعم. حينما يخبرني أحد أصدقائي بأن ما أسطره عظيمًا فهذا يعجبني. أقاربي، أبناء وبنات عمومتي وأخوالي وخالتي. عندما يفرحون، أو يتباهى/تتباهي أحدهم بأن في العائلة شخصًا قرأ كتب غير المقررة في المناهج الدراسية، ويمكنه أن يذكر مثلًا خمس أسماء كتب أجنبية دون أن يتعثر، ومقدمة ثلاثة كتب نصوص، ويقرأ قصيدة مترجمة من حفظه. هذه الأمور وغيرها تعجبني جدًا، وتجلعنى أتمادى فيما أفعل دون النظر لأثر/وقع ما أكتبه. أبحث عن الثناء كثيرًا !
(أحتاج ان يربت على كتفي أي شيء
ولو حبة مطر).
أكثر الذي يعجبني هو مايأتي من زوجتي وأقربائي، ومحيطي من الأصدقاء والزملاء. لايمكنكم تخيل مدى الفرحة الشديدة حينما أسمع/أقرأ قول: جمع كتاباتك، وانشر كتابًا. هذه جملة لها إيقاع سحري خاص. تمامًا كالمقطع الذي يعزف في بداية أغنية: زي الهوا.
الإعجابات، والمشاركات، تثيرني أيضًا. أتعرفون لماذا لاتوجد تعليقات كتعقيب على ما أكتب؟ لأنني خاوٍ. أكتب بعض الملاحظات التي أراها، والتي بالطبع لاتستلزم رأيًا أو تعقيبًا عليها. كما أخبرتكم بالأمس: مجرد ثرثار لديه حاسوب، ويكتب بطريقة يقول أصدقاؤه أنها جميلة.
ثم، وكلمات مثل هذه حينما تصدر من شخص حريص على نيل الإعجابات اولثناء، يجب أن ينشرها في وقت متأخر يكون المعظم فيه قد نام، ولن يطالع ماكتب. لذا فأنا مستمر في إبهاركم أيها الرفاق.
3
الصمت عظيم. وهو مع ملاحظة الناس أعظم. أنا أعجب جدًا بالصامتين، الذين يظنونهم لايعرفون شيئًا، لأنهم لايبدون تفاعلًا. من أعنيهم ليسوا من يرددون دومًا بان صمتي يعني عظمتي. لا، فهؤلاء تافهون. أنا أقصد من ينظرون إلى الأحداث، ثم يجدون أي قول هو من النافلة، وأي تعقيب ليس ذا جدوى. لذا فهم ينتظرون أكثر. ثم يطول الإنتظار، وتكثر ملاحظاتهم، فيزدادو قناعة بأن الواقع بعدي عن الفطرة، وبه قبح ملحوظ. لذا فهم يتجهون إلى هواياتهم، ومهاراتهم. أدركوا أمرين:
أن كل قول لن ينبني عليه عمل فهو من التكلف المنهي عنه، وأن غاية الإنسان هي الإعمار. لذا فهم يشكلون العالم كما يرون، إما بالرسم أو الكتابة، أو غيرهما.
أنا أحب هؤلاء. فهم زهرة هذا العالم، ووقوده.
4
المساحة البيضاء المجنونة. تلك التي تتيح لي أكثر مما يتيحه الآخرين. حتى هي، لم تتيح لي فرصة واحدة لكي أقول حتى: أنت جميلة.
اليوم بينما أمر من أمام المسجد الواقع بأول الحي، تذكرت رجلًا يبكي كان جالسًا على عتبته منذ عام. مرت ساعة في مشواري، وعندما عدت، كان وصل للإنتحاب، وثمة رجل يحاول أن يخفف عنه. كان بائعًا جوالًا. يدور بالملابس فوق ظهره. قدم من قرية ما من الصعيد او الأرياف القريبة. ماذا كان يعتقد حينما اشترى هذه الملابس القليلة، ليدور بها في شوارع مدينتي الواسعة؟! هل حقًا كان يعتقد أن سيبيع كل هذه الملابس من أول يوم؟ ثم يشتري غيرها، ويبيعها، وشيئًا فشيئًا يمتلك محلًا للملابس؟! ربما ظن أن أول مار عليه بالسيارة سيقف له ليشتري منه، لأن الأرياف لازال بأهلها طيبة، او على الأقل ينصحه بالشارع الآخر حي هو أكثر حركة؟ في الحقيقة أول من مر عليه، رسخ بذهنه أنه مجرد متسول ببضاعة رخيصة.
تذكرتُ الرجل العجوز الذي كان يبيع أكوابًا في قريتي. كنا نلعب في الشارع، ومنذ أن اصطدمت الكرة مرة بإمرأة متسولة وأصابها إغماء وارتعبنا لفكرة أنها ماتت، ظللنا نقف لأي متجول يمر. هذا الرجل بالذات أتذكر هيئته. كان عجوزًا منحني الظهر للبضاعة التي يحملها، ولايبيع منها شيئًا، وكان سريع الخطو، وعندما استفسرتُ من جارٍ لنا عن سبب سرعته هذه والتي لاتتناسب بالمرة مع بائع متجول ينتظر حتى ولو مشتر واحد، قال بثقة: غالبًا هذا مخابرات. كل هؤلاء الباعة مخابرات.
أمي في مرة، نزلت للرجل واشترت منه طقمين، رغم أننا نملتك من الأكواب مايكفينا. سارت على نهجها زوجة عمي. ثم التمت النساء حوله، ولم أره إلا بعدما انصرفن. كان قد أفرغ حمولته واستقام ظهره.
أمي قالت لي حينها: هذا رجل محترم. لم يفعل مثلما يفعل الأصحاء من الشباب ويمد يديه لطلب الحاجة. وأنا اشتريت منه لدعمه ليس إلا. وكذا شجعت كل جاراتنا.
أمي لم تكن تقصد أن تخبرني شيء. لكن الموقف بالطبع يعلم الكثير. وأكثر ماعلق بذهني هنا هو رقة المرأة وطيبتها، بينما الرجال يحملون بين صدورهم بعض الصدأ. وإلا فماذا تسمون ماقاله لي جاري؟!
تعليقات
إرسال تعليق