مرحبا.
بعد يوم من الآن ولعله كألف يوم مما تعدون سأفتح باب شقتي، وسأدخل إلى المكتبة وآخذ أول كتاب وسأقرأه. لن أقارنه مع غيره، ولن أسأل الأصدقاء، لا، ولن أذهب لقراءة المراجعات عنه.
سأظل أكرر هذه العملية حتى أنتهي من قراءة كل الكتب والأوراق التي أمتلكها جميعا، ثم بعد ذلك وحينما سأذهب إلى المكتبة لن أمر على الكتب وأتصفحها وأنظر في أغلفتها وإلى كتابها ومترجميها وتلك النبذات على الغلاف. سآخذ أول كتاب يقابلني، ولو كنتُ سأحرص على شيء.. على شيء واحد فقط سيكن تجنب الأكثر مبيعا.
من الآن وحتى ذلك الحين سأحاول أن أصمت. أكره التحدث بصوت..! هل يمكن للناس أن يحاوروني بالكتابة وحسب؟ لا أحب الخوض في أحاديث كثيرة ومناقشات ممتدة لأني لا أحب ان أتكلم. وأشعر أحيانا بأني أكره أولاء الذين جلعوني أتحدث ولو مرة واحدة!
وأكثر من أعتبر أن لي ثأرا معهم من جعلوا حديثي في مكبر الصوت!
يقول نيرودا: "كم هو قصير الحب، وكم هو طويل النسيان"
عجيب! كنت سأقول: لو أنني تحدثت إلى أحدهم مرة او غير مرة لفترة طويلة فهذا لا يعني نفاقي ومخالفتي لقولي في البداية. بل يعني أني أحبك.
تخيل كل تلك الأوقات قصيرة!
مرحبا. أنا مصطفى، قبل عام وبعض ليال من الآن لاحظت أن النجوم تتزايد كلما تذكرت خيبة. قالت جدتي مرة: الضربة التي لاتقصم ظهرك؛ تقويه.
هل كانت الخيبات علامات الطريق الجديد التي يجب أن أسلكه؟ الطريق الذي يظهر فيه كل شيء جليا حتى لا أسير في الجديد إلا والقديم ظاهر أمامي فأتعظ مما كان وآخذ من أمسي لغدي؟
يقول الشاعر:
النجوم نظرات،
انظر.. تصر نجمة!
في عام سابق.. وفي إحدى دورات معرض الكتاب أمسكني أحمد من يدي ومضى بي مسرعا.. هيا.. يجب أن نلحق هذي الكتب! هذان الكتابان هما درة ما ستشتريه هذا العام وربما لأعوام.
"بلدي" و "نجمة".
لحقنا نسخة من الأول، ولم نلحق الثاني. ارتسمت على وجهه علامة حسرة ممزوجة بفرحة. هو الوحيد الذي يمكن أن ترى انفعالات الكتب والكلمات على وجهه.
بعد حين أخبرني أن "نجمة" لم تعجبه. وصدقته في الثانية كما صدقته في الأولى. مع شعوري بأنه ربما قال ذلك حتى لا أصاب بالحسرة التي أصيب بها.
لا أعرف كثيرا مثل أحمد.
لا..
لا أعرف أحدا مثل أحمد.
قبل عشر أعوام من الآن كنت أعمل في الصحراء، و ذكرت عن وردة وحيدة وجدتها بعض كلمات هنا من قبل. راقت هذا الكلمات للبعض، لكن أذكر على وجه التحديد اعجاب اثنين من الأصدقاء بالكلمة.
ما الذي يجعلنا نتذكر كلمة دون غيرها؟ هل هي الحاجة أو الرغبة لسماع بعض الكلمات المعينة فتأتي بذات الوقت؟ أم لأنها أتت من أناس بعينهم؟ أم لأن من البيان سحرا يخطف اللب فلا ننساه؟
أم لعله كل ذلك!
في أوقات متفرقة من عمري.. مشيت على العشب وقطفت الزهور ورفعت عيني إلى الشرفات، وغضبت وسببت وأخذت عهودا شديدة، وقطعت وعودا على نفسي وحدثتني أكثر من أي احد.. ولازلت!
لكن ماعدت ذلك الغريب البعيد.
فيما مضى كنت أراني الآن حيث أنا جالس في هذا الركن. كنت أراني منذ خمس سنوات.. كنت أنظر إلي وأنادي: أيها الأحمق! لا تصبح هذا الذي أرى!
كتبت الرسائل وأبعدتها عني حتى هذا الحين، حتى إذا أتى الوقت قرأت وتذكرت ما كنت وما كنت أعتقده وما كنت اخشى بأني سأكونه.
يقول الشاعر: هل أنا حقا أنا؟
وتقول الأغنية أنا تهت مني.
بين ذلك الأمس واليوم اندمجت مع هذا الناس. ولا أعرف أين مجلس كل من اقتربت منه عندي وأين مجلسي عنده، إلا أني قلق! وهذه علامة ليست جيدة بأي حال!
تقول الأغنية الآن:
"رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا، علموني أندم على الماضي وجراحه"
تعليقات
إرسال تعليق