سألني منذ أيام صديق مقرب أن أجمع له بعض النصوص مما كتبت‘ فهو عازم على المضي بأمر جديد ويراني أو بالأحرى يرى كلماتي جلها أو بعضها جديرة بأن تسكن بعض الأسطر فيما سيحتكم عليه.
رغم أنه يرى ما لا أرى، فلمْ أعترض. لمَ أعترض؟ هل حقا ذاك الاعتقاد القديم بأن يجب عليك أن تتدارى؛ مازال مسيطرا؟ ماذا طالما لست كاتبا، ولا أدعي وصلا بليلى القلم؟!
فيم الحرج إذن؟
لدي أمور أخرى أريد أن أقولها غير الحديث عن طلب صديقي. لكن قبل أن أترك هذه النقطة تبقى أن أشير أني أعطيته رابط هذه المدونة ليختر منها مايشاء، ولدي خاطر أنه لم يدخل إلا مرورا. لا لعيب به، أو سوء ظني مني فيه. لا لا.. هو أكبر من هذا كله.
لكن ثمة ما يجعل الإنسان دائما حريصا على الوصول للمعلومة، أو وضوح الطريق، فما إن يضع أول قدم، ويرى أول لافتة فيهبط عزمه، ويلين حزمه. إلا نفر قليل.
تقول الأغنية الآن: ورب مستمع والقلب في صمم.
الآن يمكنني أن أعبر هذه النقطة. لطالما كانت الأمور المعلقة هي المسبب الأكثر للقلق عندي. لا أستطيع أن أسكن طالما هناك أمر غير منختم.
لطالما كرهتُ الإنتظار، لا أستطع المكث فيه دون رؤية أو خيال أو توقع مسبق. لذا أحرص تماما على تصور كافة التفاصيل لأي عمل مستقبلي. من هاهنا سأمر حينما سأذهب إلى العمل في اليوم الذي ربما تمطر فيه، وعندها يفضل أن أكون منتعلا الحذاء الرياضي لأنه أكثر ملائمة لهذه الأرض الممتلئة بالحصى المدبب..! لكم تمنيتُ أن أقول: الأرض الحصواء.. لكن لا أعرف هذه الكلمة صحيحة أم لا..!
هذه خسارة أخرى من الأفضل الأ أتحدث عنها الآن. لأنها باب لفقدان الفتى الأزهري الذي مر عليه القرآن والحديث وعلوم واللغة.
فكرت قبل أن أبدأ الكتابة هنا في الإجابة عن سؤال: لمن تكتب هنا؟ ليس من أحد، وما الداعي لكلمات لن يعيرها أحد اهتماما؟ أو كما قالت كاتبة مرة: ما فائدة كل هذه الرسائل إن لم سيقرأها أحد؟!
كانت -وربما مازالت- لدي صورة مشتهاة عن قارئ يمتلئ بالمعاني حتى لايقدر إلا أن يكتب، فيأخذ زاوية مهملة فيظل يكتب حتى التعب وعندما يفرغ يقول: الآن سآوي إلى ركن شديد. لا أفعل، ولا أقرب من هذه اللحظة إلا بقدر ما أبتعد. لا أعرف ما هو القيد الداخلي الذي يزيحني. لا أبرئ نفسي.. حاشا لله. إنني أدينها أشد الإدانة.
كل ماهنالك أن أقرأ أو أكتب، وأدون مايأتي على خاطري، وهذا الذي يأتي عظيم وخطير، ولا يقترب ما أنقر به على لوحات المفاتيح أو أمليه للأقلام مما هو حقا شعوري قيد أنملة..!
يا الله.. هل سأموت حقا دون أخبر كل هذه الأمور، ودون أن أقول لمن أريد ما أريد؟!
ما الذي ينقص امرئ ما لك يقول ما يجب أن يقول؟
اللغة؟ الشجاعة؟ الشكل المناسب لقوله؟ هل يجب أن يتحدث الجميع بالقصيدة؟ أيجب أن يقول الجميع:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ** عنيت فلم أكسل ولم أتبلد ؟؟
أم يجب ان يتقنوا الغناء حتى يفوقوا أم كلثوم في أغنيتها نهج البردة؟
ياصورة الشاعر المشتهاة، ياقصيدة لم تُنطق بعد: "هل أنا حقا أنا، أم أني أحد سواي؟"
هل اقتنعت بعد يا نفس بأن المكث في جملة "الليل اللي في عيونك" ليس قمة السكر من كلمات العشق؟
لم لا أجد ضالتي ولو لمرة؟ مرة واحدة فقط.. لو استطعت لاخترعت واحدة، ثم أنشدتها ليلة شتاء كاملة، ثم بعد تعب، وحين يأس؛ أُحضرها جاثية، فأنام قرير العين، وقد حيزت لي الدنيا.
دعكم من هذا الشعث كله يا أصدقاء.. في الحقيقة، كان على أن أكون شيئا آخر غير مزاول لحرفة ادعاء الكلام، أو متذوق لجمال نظم بيت، او الموسيقى في قافيته.
كان علي أن شجاعا وصريحا أطلق على الأسماء حقيقتها، وأصف الأشياء بما فيها، أو أصمت للأبد.
....
ها قد أعدت قراءة ما كتبت هنا..!
هه.. عجيب أمري، يُخيل إلي حين انفعال داخلي بأني لو كتبت الآن ستكون ثمة قافية تحرك الجيوش.. ثم أستيقظ على هذا الهراء..!
لن أمسحه بأية حال، فهنا لا أحد سواي.
أتمنى أن ينسى صديقي ما طلب، وأن يدرك الحقيقة لا أعماه الله.
تعليقات
إرسال تعليق