(1)
كيف يصنع من نفذت منه الكلمات، وأمسى يستعيرها من الآخرين.
يا للمعاني الزائفة..! لقد قتله إدراكه لذلك الزيف..!
نقف دمعة دونما معرفة سببها، فيجري على لسانه قول الشاعر: "أريد أن ألعب، أمعقول أن أجوب كل هذه المدن ولا أجد لعبة؟"
فيستبدل اللعب بالبكاء، ويفقد روحه.
تقول الحكاية الأسطورية: لكي يمكنك الخلود عليك أن تمزق روحك إلى قطع عديدة، وتمزيق الروح يكون بقتل روح أخرى..!
أصبح يشعر بأنه يمزق روحه بقتلها..! فلن يخلد، ولن يعيش بروح سليمة.
ماهذا الكائن المشوه الذي بات يملكه؟
تشوه الكائن الذي طوال عمره يبحث عن شيء واحد فقط. ظن أنه أوشك على امتلاكه، لكن تفلت منه وهو شاخص البصر عاجز، فازداد ثقله مع مرور الأيام.
(2)
لكم أتمنى لو أنني ما لجأت للكتابة. أنا لا أحتاج لها. اكتشتفت أن اكثر ما كنت أحتاجه وأريده حقا هو فعل وأثر أدفع به ظلما أو أضع به عدلا، فكانت الكتابة وسيلة لذلك، ثم أصبحت وسيلة كل شيء.
ثم أصبحت مع تبدل الحال ومرور الأيام إلى المنفذ الأهم.
نعم، أراحتني كثيرا، ووجدت نفسي فيها أحيانا، إلا أن أفضل تعبير قمت به يوما كان إلى جدار..!
أودعته ضربة عنيفة ما عرفت أثرها على يدي إلا بعد انتهاء فورة الغضب.
ما الذي أغضبني حينذاك؟ لا أتذكر بالضبط، فقد مضت سنوات..! لكن الأهم أنها كانت لحظة مثالية للكتابة وفجأة رأيت أنها لن تؤدي الدور المراد، فانطلقت الضربة دون وعي..!
قاتل الله الغضب.
ما أكثر الجدران، وما أضعف يداي.
ويظهر أيضا أمر آخر حدث أكثر من مرة، وهو التحدث إلى مجهول. لايهم إن كان يعرفني أم لا، لكنني لا أعرفه. كان الأمر كنسمة صيفية في نهار شديد القيظ.
ثم ها أنا، قد مضت تلك الأيام، فلم أعد أطيق الكتابة، ولا أجيدها، وجبنت عن مصارعة الجدران، ومضت نسمة الصيف. وحاصرتني الأيام والناس ونفسي من قبلهم. فتبدل الحال من صاحب الكلمات الحبيسة، إلى الحبيس.
(3)
لا مانع من الاستمرار في النزف، طالما الجرح ناضج.
الليل عجيب. طوال الأيام الماضية تسيطر علي حالة يتزايد تأثيرها. ثم في الليل تتمثل أمامي فنتدافع. إلا أنها اليوم غلبتني بالكامل.
من أمنياتي الميتة: رغبتي في أن أكتب تحت مسمى مجهول. لا أحد يعرف أن هذا الكلام مني، أو عني. وأنا حينما أكتب لا أخبر ولو قدر عقلة عن أحداث خاصة أو لآخرين. إنا عن أثر ذلك في نفسي، وافتعالاته العديدة مع الواقع أو الأكثر من ذلك.. مع ما أتخيله. وإن التفاصيل التي لا أستطيع إيقافها، والخيالات التي تتابع برأسي تثقله أكثر وأكثر، وتحضر في أي وقت وبأكثر الأوقات أهمية.
لذا كان الاسم الوهمي منفذا ضيعته. وقد مضى ذلك حتى عرف الناس سمة الحرف، فلا نفع من الاختباء.
(4)
"أخيرا.. إنه لأمر محزن جدا أن يمضي إنسان ما دون أن يقول ما يريد، والأشد فتكا به أن يحاول جاهدا لكن لم تعد تطاوعه الكلمات"
(5)
نعم، مازالت الرغبة في الكتابة موجودة. لكن لم أعد أنساب مع الكلمات كما كنا من قبل.
لقد كررت كثيرا البيت:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
ويبدو أني لم أكن أحادث ما تخيلته، ولكني كنت أخاطب الكلمات. تباعدنا كثيرا. وربما يعود ذلك إلى قلة القراءة مؤخرا. وربما لتبدل نمط الحياة وثباتها ورتابتها الجديدة في البلد الجديد.
عجيبة الأيام التي يضطر فيها الغريب إلى السفر والاغتراب إذا أراد تجديد حاله..!
لم تكفي الرغبة دوما لفعل أي شيء. الرغبة مجردة لا معنى لها. الراغب فقط هو عاجز على الدوام.
تعليقات
إرسال تعليق