التخطي إلى المحتوى الرئيسي

 إلى الصديق السائل عن الناس والدنيا والحال:


لا بأس. هذه هي الدنيا. دار نكد، والإنسان خلق في كبد. لا شيء فيها يسر كقاعدة، وبالطبع ثمة ما يشذ. لكن الحكيم لا يبني أفعاله وتوجهاته على ما يشذ.

والناس؟

بئس الناس. قلما تجد من يعتبر واحدا في غمار الناس، ولهم حقوق كما له، وأرواح تشعر وتتأثر وهو ملزم تجاههم بشيء. لقد ابتلينا في أيامنا هذه بأناس -أصبحوا هم الأكثرية يا للأسف- لديهم شعور دائم بالصواب في معتقدهم وأقوالهم وأفعالهم، مما خلق لديهم شعور دائم مسيطر بالاستحقاق. يرى نفسه محقا على الدوام، ومميزا عن غيره، ومحق في رأيه واختياراته. نجاحاته عين الصواب وشهادة على بؤس وظلم العالم إن لم يلتفت أو يهتم له، وهزائمه هي من مؤامرات وابتلاءات الدنيا...! بل قد يرى سلوك ذويه حق مطلق ودليل صحة.

هل يمكنك أن تتخيل اثنين لديهم هذه الصفة وهذا السلوك يتحاوران؟! قلبي عندك وخالص تعاطفي...!

أنا لا أدري -حتى الآن- الأسباب الكاملة وراء هذا السلوك، لكن عدم وجود قناعة بحق الآخر ومرجعية في الأمور التي نختلف فيها أمر برأيي هو أهم ما يجب أن يبحث فيها الناس، لأنه يا للأسف لو لم نحل هذه الإشكالية اليوم قبل الغد فالمأساة تتعاظم...!


لعلي أنا المخطئ. ربما...! أتمنى! فعندي؛ خطأ واحد ولو كان أنا أهم من اعتقادي بغرابة وخطأ سلوك الجماعة.

يمنعني فقط من التيقن بهذا الشعور أني أجعل الناس هم وتوجههم مقياس للعمل ومعيار للتحقق...! وكما ترى.. نحن لا ننصف الحق بهذه الأيام. وإلا ما كان هذا حالنا.

الأمور لا تحتاج لتوضيح.. فنحن لن نعيد اختراع العجلة. لم ننزل بهذا الزمان فجأة حتى ندعي هذا. نحن ورثة تاريخ كبير من السلوك والدين واجتماع الناس وتفرقهم وتوفيقهم وزلاتهم. وكل هذا وضع حدودا عامة وخاصة لكل تعامل. هل ترى؟ هل نترك كل هذه القرون وأهلها ثم نخترع مذاهبا جديدة؟! أي غباء هذا؟!!

وما يغيظ أكثر يُحَكِم كل امرئ هواه فتصبح المذاهب إلى ما لا نهاية، ثم يا للأسف يضيع الحق. وإن أسوأ ما قد يصيب مجموعة من الناس هو أن يضيع الحق بينهم. ويا لبؤس من يحدث لهم ذلك...!!

يضيع الحق لأن الحمقى رأوا من أنفسهم خيرا على الدوام، ولم يلمحوا الشر الكامن في أنفسهم كلما نظروا بمرآة. ويضيع أيضًا لأن الرافضين للأمر جبناء أو قلة أو ضعاف.

فإنا لله.. إذ يضيع الحق والدين والعرف بين الناس...!

"وإنا لله، قد عرفنا كيف تصير جهنم حطبا"

فماذا نصنع؟!

لا أعرف ما ينفعك تحديدا، لكني أقرأ. ألزم وردي، وأقرأ كثيرا وألزم نفسي بالدعاء بأن يريني الله الحق ويرزقني اتباعه ولو كان علي...! والله المستعان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...