التخطي إلى المحتوى الرئيسي

 مرحبا. أنا مصطفى. أتتبع أمرا يغيظني من نفسي، ومما آلت إليه الأمور.

"يقول المداح الآن: فما لعينيك إن قلت اكففا همتا؟"

فيما مضى لم أكن أود أن أكون بمقعد يرى الخبر ولا يصنعه، وبموطن مشاهدة لا ممارسة. ولأن شيئا جديدا يطرأ على المرء كلما تغيرت الأيام وتبدلت، فقد برز فجأة شخص معين كان دائم الحديث والدفع بتوجيهات يمل المرء منها حتى يمل من قائلها. المهم برز فجأة بصوته قائلا: افعل ودعك من تبدل الأيام. ورأيت أن أقيم حواري معه الليلة، إلا أني تبدلت مع الأيام، فسببته بلفظة واحدة يعرفها عدد قليل من الناس.

كيف يطيق الناس الكلام مع كل ما يحدث حولنا؟ لدق لاحظت الآن أنه ثمة حربا في الشمال تتسع، وفي الجنوب حربا تتسع، وفي الغرب أخرى أخذت مساحتها. غدا تتصل كل هذه الحروب وتصبح واحدة. والناس ما زالت تتكلم. تقرأ الكتب وتكتبها وتنشرها. أنا أكتب في دفتري الجديد. ولا يأخذنك الظن إلى امتلاكي واحد قديم. كان لدي، لكنني أتلفته عمدا. وسأترك لخيالك مساحة. للتلف صور عديدة.


أعجبتني الجملة الأخيرة، وليس ذلك من باب الاعجاب بالرأي، لكني كنت أتساءل دوما عن اختيار عنوان نص ما، خاصة النص القصير.

للتلف صور عديدة. يصلح كعنوان. ولو أني ممن يراجعون كلامهم ويعدلوه لربما قارنت بين ألفاظ أخرى، كأن اقول عطب مثلا أو موت حسبما ينتهي الأمر أو ينتهي الوقت طبعا سأفكر في عديدة أيضا، وربما أكتب كثيرة.

لكني لن أراجع شيئا. يقول بارتلبي (أفضل ألا أفعل) .


لم أتلفت دفتري؟ ما رأيكم بالتلاعب في الألفاظ؟ ماذا لو قلت: لقد أتلفت قديمي؟! قبل أن أنتقل إلى الإجابة، يجب أن أعترف هذه المرة: لقد أعجبتني نفسي بالجملة الأخيرة هذه. هلك الفتى...!!

"يقول المدّاح الآن: يا نفسُ لا تقطني من زلة عظمت."

إن كل شيء حولنا يستحق أن يتلف عمدا. إني لأنظر يمنة ويسرة فلا أجد أمرا واحدا يستحق البقاء بلطف. ونفسي غريبة عن هذا العالم، وعن كل أحد.


كيف يطيق الناس الكلام؟ كيف أطيق أنا الكلام؟

أليس من تعاليم هذا الدين قول الخير أو الصمت؟ حسنا؛ أو ليس الصمت أولى لمن هم مثلي؟


مرحبا. أنا مصطفى. طالما العُجب وجد له موطنا هنا، والأنا اتخذت مقعدا، فسأخبركم بذلك ولمرة واحدة أو أخيرة: لدي القدرة على الجلوس والكتابة حتى التعب لأنتج كتابا تشتهيه نفسي. لكني لن أفعل. لأني لم أمزق قديمي فحسب، بل مزقت من قبل مسودة ضمت أمورا ليس من طبعي الحديث عنها، فلما كتبتها شعرت بالراحة ورأيت تمام الفائدة.


أنا مصطفى، لدي عادة إتلاف قديمي. مع السلامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجمال في كل شيء.

 "الليل الليل، ودقة الساعات تصحي الليل" أدندن بالصفير مقلدا اللحن لمقطع من فات الميعاد، ثم أدير القائمة بشكل عشوائي فيأتي المقطع نفسه الذي أقلد من بين مقاطع عديدة. ربما ذلك فيما قبل كان ليكون مطلع نداء وحداء، أو ليلة نكتب فيها ألف كلمة وكلمة ثم لانكون قد قلنا مما يجول بصدورنا إلا كلمة.. فمن للألف يجلبها؟! هل تجلبها قصيدتكِ المحبوسة بصدرك وبصندوق بريدي؟ أم تأوهات كل الأهل بين القصف والحتف؟ تقول السيدة الآن: وهات لي قلب، لا داب ولاحب، ولا انجرح ولا شاف حرمان.  كان لهذا المعنى أثر فيما مضى، ولا أعني منذ سنوات عديدة او أشهر مديدة. بل لعله الأمس أو قبل الأمس بعام أو شهيق إثر قافية نسيب: فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا ** ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ أو زفير إثر قول الشاعر: أين الأحبة يا أبي أو ما دروا ** أنا إلى ساح الفناء نقاد كل الكلمات كان لها معنى، أو لنقل حالة جاهزة من التأثر. فقط هناك مايشبه مستقبلات الكلام فتوجه كل كلمة إلى مستودعها من المشاعر، فما الذي جرى؟! لا، لم آت هنا الآن لكي أشكي هما، أو أنشج. إنما لأحاول التشريح قدرالإمكان عما كان، وعما هو الآن فلعلي ...

ميراث الصمت والملكوت

 قرأت للكاتب منذ سنوات مقالة "بئس هذا الناس" وهي من النصوص القليلة التي ظلت بالذهن لفترات طويلة، ثم سمعت عنه كثيرا فيما بعد، وعن قلة ماينشره رغم مايبدو من براعة نصه، ووجود مايمكنه قوله. وهذا أشد ما يجذبني في كاتب. الكتاب جميل، ورغم أني لست بنفس الانبهار القديم عند قراءة المقالة مرة أخرى، إلا أني أمام قارئ من العيار الثقيل. وهذا أكثر ما قد يعبجني في أحد. لدي حلم واحد فقط في الحقيقة، وكثيرا ما أقول من أين أبدأ به؟ ووجدت مثيلا لهذا الحلم بالكتاب، كما أن من الجمل المميزة التي علقت بذهني من الكتاب هي: أول خطوات تنفيذ الحلم هو أن تستيقظ منه. ومن المفارقات اللطيفة أن الكاتب تعرض لفكرة المفارقات هذه بإحدى المقالات. قرأت الكتاب باتفاق مع بعض الأصدقاء كقراءة جماعية، لكني  جائع للقراءة، وللهروب من واقع حياتي الحالي. سأسألهم عن الرأي طبعا، لكن لا أظن الكاتب ترك مجالا لهكذا فكرة. فهو طارح لأفكار وخواطر عديدة، تحير من يريد أن يحلل. سأتجه لمتابعة إنتاجه إن شاء الله. وإلى رحلة أخرى.
أود أكثر من أي وقت مضى أن أقول أشياء كثيرة. ربما لاتعني أي شيء على الإطلاق لغيري، لكن الرغبات لا تحاكم ولا تصادر. مثلا أود الآن أن أخبر العالم بأسره أني أحبُ الليلَ ولا أحب الأرق. وأرغب بالخلود ولا أحب الناس ولا التقدم في السن. ربما أيضا أهمس في أذن المليارات بأنني أقنع بالقليل، قد أتصور أنه ثمة أذن كبيرة بحجم جزيرة أتحدث عبرها مرة واحدة وحسب. هذا يبدو سهلا حقا. إنه يشبه أن تكن أحد هؤلاء الذين يظنون أن بإمكانهم التحدث إلى أي أحد بأي وقت.. حتى أنه يخيل إلى البعض منهم أنه إله. لا يهم.. ملحوظة: من الأفضل ياصديقي الساهر اختيارا أو مرغما أن تعيد قراءة كلماتي مرة أخرى بسرعة كتابتها.. كأنك من تكتبها فتقرأها على مهل، ثم تضع حالتك الشعورية مع الكلمات، فيساعدك همسك وشهيقك وزفيرك، وعندئذ نكون قد اشتركنا في شيء لا أحد يدري متى بالضبط سيحدث هذا الأمر ثانية! هيا، اذهب ثم عد.. لما لم تفعل؟ هيا، لن يطير بقية كلامي، ثم إنه كلام عادي جدا على أية حال.. لدي رغبة جديد الآن.. وهي أن أسبح مع ذئبي المشتهى بين الكواكب، ثم نستقر على كوكب مناسب به احتياجاته منفصلة عن احتياجاتي حتى لانضطر إلى ممارسة نظريات الأرض ...