رحلة انتهت. القوزاق. ليست مراجعة للرواية بقدر ما يمكن أن تكون طرفا من الأشياء التي شعرت بها في الفترة من 11 حتى 14 ربيع الأول 1446."
يجب ألا أقرأ الروايات بعد الآن. أو ربما يجب ألا أقرأ غيرها. شغلني للغاية ديمتري (أولينين) في سعيه وبحثه عن السعادة أو المعنى أو ربما نفسه. فمن ناحية هو يبحث عنها في الأماكن التي أتخيل سعادتي فيها، ومن ناحية أخرى يشغلني حاله مع المرأة التي تشغله. أو لعل المرأة نفسها تشغلني.
في أي قراءة لي برواية وعند النقطة التي تجذبني، أنتقل بكاملي في عالمها، متخليا عن الشعور الأوحد بشخصيتي الأقرب، أو البطل نفسه، للشعور العام بكل مشاعر الشخصيات. هل لأحدكم المقدرة على أن يتخيل كل هذه التداخلات والتفاصيل، ومقارنة الحدث بزمانه ومكاني بزماني أنا ومكاني الحالي، أو زماني ومكاني المتخيل؟! في زماني ومكاني هذا عالم كامل به كل من أحب من القصص ومن الحياة من قابلتهم ومن لم أقابلهم بعد، عالم مخصص فقط لمن أحبهم. ورغم حبي للعديد إلا أنه لم ولن يزدحم أبدًا. ليس ثمة مكان أكثر اتساعا من خيال قارئ غريب عن عالمه.
بالأمس حلمت بأولنين. كأنني هو أو أني أراقبه ملاصقًا...! لكني كنت متأكدا أني جمعته بماريانكا.. المرأة التي يظن أن اجتماعه به مهم له وسبيل لسعادته. لم أعرف بعد كيف سيكون الأمر بعد عدة صفحات، لكن بعدما روى لي حاله رققت له، أو لقصته؛ فجمعتهما. وبالطبع ليس بالغريب أنها كانت جميلة وفاتنة كما وصف إلا أنها كانت ترتدي زي المرأة الفلسطينية وليس القوزاقية. هذه هيئة أفضل، فرغم انشغالي بغير القضية لبعض الوقت إلا أنها مازالت حاضرة.
وبشكل غريب ومنذ الاستيقاظ اليوم أجدني أشعر بنفس المشاعر، وأرى الناس والأشياء والأماكن، بل وصل الأمر بأن أشم نفس الروائح التي قابلتني في هذه المدينة في بدايات قدومي إليها منذ عشرة أشهر. وذلك لأني أثناء القراءة ليلة أمس تملكني بحثه وسعيه، ولما استيقظت تناولت فطورا عبارة عن بعض صفحات من الحكاية.
لدي تفكير مكثف هذه الأيام عن أماكني الأولى ومشاعر مختلطة عنها لم يتفق لي بعد الاستقرار عليها، ثم اتفق أمر آخر وهو أن ديميتري يقوده نفس التفكير. ما سيصل إليه ليس بالضرورة ليس ما قد أصل إليه، لكن أن يتفق لنا سويا البحث في نفس التوقيت فهذا من الأمور المستحسنة أن تجد شبيها بهذه الأيام التي قل أن تجد فيها الشبيه.
عطر محمد نفسه عطر أول مرة أعانقه، ورائحتي تشتبك مع العطر الذي فرغت قارورته منذ شهور، والرائحة في المصلى لها نفس الإثارة التي حدثت في أول صلاة ظهر هنا، وحديثي مع الزملاء يشوبه الالتزام الكامل، وحتى قراراتي البسيطة تتسم بالحيرة والصبر والتفكير المطول.
أجلس حائرا الآن، ولا أدري ماذا سيحدث لديمتيري، هل سيجد غايته وبداية سعادته؟ هل سيعيش كرجل قوازقي يتطلع إلى قمم الجبال وفتنتها؟ هل سيسير إلى الغابات ويظل يتمهل حتى لا تهرب أهدافه من وقع قدمه على الأوراق المتساقطة؟ هل سيحصل على ماريانكا؟ ولو حصل عليها وجلس ينفث دخانه على مدخل الكوخ متطلعا إلى قمة الجبال البيضاء سيكون حصل على سعادته أخيرًا؟
ولا أطيق العمل أو أي شيء آخر حتى أعرف ما سيحدث له، لا لأنه شغلني وحسب، لكني بحاجة الليلة لأقرر من سأدعوه من شخصيات الحكاية إلى عالمي (غيره وبالطبع غير الشيخ يروشكا)؟!
وبعدما عدت للحكاية، وجدتها قد مضت على نحو يرضي توقعاتي، لأن شخصا مثل ديميتري يجب أن يظل غريبًا.
قال له يروشكا:
هيهات أيها الأخ العزيز، أن تعيش في بلد غريب !
تعليقات
إرسال تعليق